مكتب المغرب : مصطفى الغليمي
يمكن اعتبار موضوع الإحتراف المغربي من أقدم المواضيع التي تطرق إليها رجال الإعلام الرياضي ، ذلك أن مسألة الهوية أو الجنسية الرياضية طرحت حسب المسار الرياضي الوطني ذا المستوى العالي ، و ذلك حسب التقسيم الإستعماري لدول العالم الثالث ، الذي كان له الأثر الإيجابي في انبعاث كرة القدم ، حيث انطلقت الشرارة الأولى للمستديرة من القلعة الإنجليزية إلى العديد من البلدان الأروبية ، التي نشرتها بدورها في مستعمراتها الكونية الشاسعة ، بكل من ” إفريقيا * آسيا * أمريكا ” ، بعد ذلك تم تأسيس الإتحاد الدولي لكرة القدم بالعاصمة الفرنسية باريس في 21 ماي 1904 ، فيما ظل خلق الفرق الرياضية ممنوعا على المغاربة في ظل التقسيم الإستعماري لخريطة المغرب إلى ثلاثة مناطق : ” فرنسي جنوبي * إسباني شمالي * ضواحي طنجة دولي ، ما آل إلى ممارسة العنصرية على المغاربة بعدم الحصول على ترخيص لتكوين الفرق ، بعد تأسيس أول نادي رياضي بكازابلانكا في 2 أبريل 1913 ، تحت إسم : ” الإتحاد الرياضي المغربي ” ، تلاها أندية جديدة أبرزها : ” الوداد الرياضي البيضاوي ” 1937 ، لكن هذه الأندية المفرنسة المفتقرة للعنصر البشري اضطرت إلى الإستعانة بالشباب الرياضي المغربي .
إن إعادة رسم التاريخ العريق لأوائل النجوم الكروية المغربية المحترفة ، الذين وضعوا بصماتهم عبر سطور المجالات الرياضية الوطنية و الدولية ، كان من نتائج السياسات العمومية المغربية المتعلقة بالهجرة الرياضية أبان ثلاثينات القرن 20 ، رصدت بالملموس الكفاءات الرياضية عامة و الكروية على وجه الخصوص ، و التي يتوفر عليها المغرب في جميع أنحاء العالم لضمان استدامة إشعاعية مغربية خالصة ، ذلك أن الدراسات التاريخية تؤكد على أن الرياضيين المغاربة إنطلق مسارهم الكروي على الدولي بالهجرة نحو الضفة الأروبية ، إلى درجة أن بعضهم أضحى عنصرا متميزا ضمن المنتخبات الوطنية لدول صديقة ، خاصة و أن المغرب أضحى قطب الرحى لموارد لا تنضب لرياضيين موهوبين داخل أرض الوطن قبل إثارة الأندية الفرنسية ، على غرار : ” عبد السلام بوثينة ” لانس/إشبيلية/مالقا ” 1928 * مبارك مايي ” باريس ” 1932 * محمد طرينبو ” كان ” 1936 * عبد السلام عاطف ” بوردو ” 1948 * عبد الرحمان بلمحجوب ” نيس / الراسينغ / مونبوليي ” 1949 * مصطفى البطاش ” نيم ” 1950 * حسن أقصبي ” نيم / رانس/ موناكو ” 1955 * عبد الله الأنطاكي لاعبا و مدربا ” مالقا ” ، و اللائحة طويلة … لينفرد العربي بن مبارك بالإستثناء المتميز عالميا .
إزداد العربي بن مبارك في 15 يونيو 1917 بالدار البيضاء ، ترعرع الطفل مبارك وأخيه علي يتيمي الأب ، حيث عاشا تحت كنف والدتهما ، وسط أجواء أسرة بسيطة الحال ، درس المرحلة الإبتدائية إلى جانب أصدقائه الأوائل : ” الخميري ” ديدي ” القدميري “سيردان ” ، ثم حول وجهته نحو المؤسسة المهنية ” نجار ” ، و مع أقرانه زاول لعبة كرة القدم ببطولة الأحياء ، حيث لعب لفريق الوطن ، ليدشن مسيرته الكروية بنادي ” ليديال ” ما بين 1930 و 1933 ، ثم ” الإتحاد الرياضي المغربي ” بين سنتي 1934 و 1937 ، حيث صقلت مواهبه الكروية ، مخرجا ما في جعبته من الفن الرفيع ، و حقق معه ثلاث بطولات تحت الحماية الفرنسية ، بعدئد إنتقل إلى عالم الإحتراف بفرنسا 1938 ، موقعا أول عرض له مع أولمبيك مارسيليا ، ليصبح معشوق جماهير عاصمة الإمبراطورية الذين لقبوه بالجوهرة السوداء ، و تسمية الثنائي بن مبارك و كارلوس بهجوم الكريسطال ، خاصة و أنه مكن فريقه الجديد من احتلال رتبة الوصافة خلف القاطرة ” سيت ” ، و فاز معه بكأس فرنسا ، فيما وقع المغربي بن مبارك 12 هدفا ، و اعتبر ثاني لاعب أسود حمل قميص المنتخب الفرنسي في 4 دجنبر 1938 ، ضد نظيره الإيطالي بنابولي بعد راوول ديان ، ليظل اللقاء الإستعدادي لمنتخب فرنسا الأول مع نظيره لشمال إفريقيا محفورا في ذاكرة المغاربة و الجزائريين ، حيث انتهت المباراة بنتيجة 2/3 لصالح منتخب شمال إفريقيا ، الغني بأسماء وازنة : ” الوركة – بن مبارك – الزيتوني – بلمحجوب – مفتاح – بن طيفور – بوبكر … ” ، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية كانت سببا في إلغاء الدوري الفرنسي 1939 ، ما آل باللاعب بن مبارك إلى مغادرة مارسيليا و العودة إلى وطنه المغرب ، و بالتالي الإلتحاق بناديه السابق الإتحاد الرياضي المغربي ، الذي قضى بين صفوفه خمس سنوات ” 1940 / 1944 ” .
و بانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، و رجوع الحياة السلمية إلى العالم ، عاد النجم الفوري العربي بن مبارك إلى البطولة الفرنسية ، منخرطا في صفوف نادي سطاد باريس ، الذي حقق معه الصعود إلى القسم الوطني الأول ، حيث مكنه من احتلال الرتبة الخامسة في أول موسم له ، مجاورا نادي عاصمة النور لأربعة مواسم ” 1945 / 1948 ” ، قضاها بين المد و الجزر من ناحية عطاءاته الفردية ، نتيجة الخطط الدفاعية الصارمة ، و التي حولها المدافعون إلى الخشونة المفرطة و المقصودة اتجاه لاعب القرن بن مبارك ، و ذلك لشل حركاته الفنية و هجوماته الجهنمية ، في ظل تطبيق الحراسة اللصيقة ، و رغم ذلك تمكن من تسجيل 43 هدفا في 63 مباراة ، أبرزها الإنتصار في أول مواجهة مع المنتخب الإنجليزي : 1/3 ، مقدما في كل المواجهات الدولية الفرنسية قناعات فردية راقية ، وضعته على قمة هرم الكرة العالمية كأحسن لاعب بامتياز ، رغم الظروف العدائية التي صادفها ، بسبب أصوله المغربية و جذوره الإفريقية و ديانته الإسلامية ، إلا أن مواجهته لخصومه كانت بالدم البارد و بالرد الهادئ .
لكن !. و في غمرة شهرته العالمية ، تمكن مسؤولو أتلتيكو مدريد الإسباني- أثناء حكم الفرنكوفونية – من انتذاب الجوهرة السوداء بمنحة مغرية تضاربت حولها الأرقام ، لكن توحدت في أنها الأعلى عالميا ، في حين كشف العربي بن مبارك عن الحب الجنوني الإسباني للساحرة المستديرة ، في ظل الصراع الثنائي للديربي المدريدي بين الأتلتيكو و الريال ، الذي دشنه بن مبارك سنة 1950 ، بانتصار باهر على النادي الملكي : 1/6 ، ما آل بمسؤولي الأتلتيكو إلى الإحتفاظ به لخمسة مواسم ” 1953/1949 ” ، حيث شارك في 113 مباراة سجل خلالها 56 هدفا ،متوجا مرتين بالبطولة الإسبانية ” 1951/1950 ” ، لكن حبل الود قد انقطع بينه و المدرب بينيطو دياز ، ليعود إلى عشه الفرنسي بأولمبيك مارسيليا ، بعدما فارقها منذ 14 سنة خلت ، فأهدى أنصاره كأس فرنسا سنة 1954 ،ثم انعرج بوجهته نحو الجزائر لاعبا و مدربا بنادي الإتحاد الإسلامي سيدي بلعباس ، حيث قضى معه موسما واحدا ، بعد أن وضعه في مركز الوصافة الترتيبية 1956 ، و هي السنة التي تكون فيها منتخب جبهة التحرير الجزائرية .
و في ظل الصحوة التحريرية لبلدان شمال إفريقيا ، التي عانت الأمرين مع الإستعمار الفرنسي ، الذي احتل الجزائر : 1831 و تونس : 1880 و المغرب : 1912 ، الذي نال استقلاله في 1956 ، حيث غادر بن مبارك الجزائر عائدا إلى المغرب ، بدعوة من الأمير الراحل مولاي عبد الله الذي كلفه بفريق الفتح الرباطي بمهمة ثنائية لاعبا و مدربا لموسمين إثنين ” 1958/1957 ” ، و مدربا للمنتخب الوطني المغربي الذي شارك في الألعاب العربية الثانية ببيروت ، لتنطلق رحلاته المكوكية داخل المغرب و المتعلقة بتذريب الأندية الوطنية ، بداية بالفتح الرباطي ، مرورا بسطاد المغربي ، الجيش الملكي ، نجم الشباب ، المغرب الفاسي ، إتحاد طنجة ، شباب المحمدية ، الرجاء البيضاوي ، و انتهاء بالنهضة السطاتية ، التي حقق معها الفوز ببطولة المغرب سنة 1971 ، ليبتعد عن المجال الرياضي بصفة نهائية ، إلى أن وافته المنية يوم 16 ديسمبر 1992 ، عن عمر 75 سنة ، تاركا وراءه ثلاثة أبناء : ” مصطفى ” أحمد ” نادية ” .
تبقى الإشارة !. إلى أن الهوية الرياضية المغربية للحاج العربي بن مبارك ، الذي ترك بصماته بالديار ” الفرنسية – الجزائرية- المغربية ” ، و بدفاعه عن أقمصة أندية المهجر ، و عن الألوان الوطنية لمنتخبي فرنسا و المغرب ، ذاكرا خلال مساره الرياضي الإحترافي تعلقه ببلده الأصلي : – المغرب ، و هو الإنبهار العالمي الذي قوبل بألا مبالاة من طرف الثنائي : – الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم و الوزارة الوصية على القطاع الرياضي !. فهل يعلم أصحاب القرار أن 28 سنة قد مرت على رحيل الجوهرة السوداء الحاج العربي بن مبارك ؟. فإلى جنة الخلد …
شاهد أيضاً
بيراميدز يشكون فيوتشر ويطالبان باستبعاده من كأس الكونفدرالية.
المواطن العربي : مصطفى الغليمي تقدم ناديا الجيش الملكي وبيراميدز المصري بشكوتين رسميتين ضد نادي …