لطالما كانت المياه مكوناً أساسياً للحياة، لكن ما تم اكتشافه مؤخراً في أعماق الكون يفتح الباب أمام تصورات جديدة كلياً. تصور أنك تُواجه أكبر خزان من المياه في تاريخ الفضاء المعلوم، يحتوي على أكثر من 140 تريليون مرة كمية المياه الموجودة في محيطات كوكب الأرض! هذه الظاهرة المدهشة، المكتشفة على بُعد 12 مليار سنة ضوئية، تُعيد تشكيل مفاهيمنا حول انتشار المياه في الكون. فماذا تخبرنا هذه الاكتشافات وما قد تعنيه لمستقبلنا؟
محيط كوني عظيم يتحدى الخيال!
المياه التي نعتبرها أمراً طبيعياً على الأرض، ليست حكراً على كوكبنا فقط. في عام 2024، نجح علماء الفلك في الكشف عن أكبر وأبعد خزان مياه معروف في الكون. هذا الاكتشاف المثير للدهشة يعيد النظر في أصول وانتشار المياه عبر الكون.
الاكتشاف تمحور حول كوازار هائل الحجم يعرف باسم APM 08279+5255، وهو جسم سماوي ضخم يبعد أكثر من 12 مليار سنة ضوئية عن الأرض. في أعماق هذا الكوازار، يستقر ثقب أسود فائق الكتلة يحتوي على خصائص مذهلة:
- كتلة الثقب الأسود: تعادل 20 مليار مرة كتلة الشمس.
- إنتاج الطاقة: ما يعادل طاقة ألف تريليون شمس.
- كمية المياه: 140 تريليون مرة مقارنة بمحيطات الأرض.
وفقًا لمات برادفورد، الباحث في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، فقد أوضح: “البيئة المحيطة بهذا الكوازار مميزة للغاية لقدرتها على تكوين هذا الكم الهائل من المياه.” يُظهر هذا الاكتشاف أن المياه كانت موجودة بكميات كبيرة منذ الأزمنة البعيدة جداً، ما يؤكد انتشارها في جميع أرجاء الكون.
واحة مجرّية بخصائص فريدة
يمتلك خزان المياه المحيط بـ APM 08279+5255 خصائص تميّزه عن معظم بيئات الفضاء الأخرى، مما جعله موضوع دراسة معمّقة:
خاصية | القيمة | المقارنة |
---|---|---|
درجة الحرارة | -63°C | أعلى بـ 5 مرات من متوسط الحرارة في المجرّات |
الكثافة | – | أعلى بـ 10 إلى 100 مرة من المعدل الطبيعي |
الامتداد | مئات السنين الضوئية | – |
تُعزى هذه الظروف المذهلة إلى الإشعاعات السينية والأشعة تحت الحمراء الصادرة من الكوازار. وتعمل بخار الماء كغاز متتبع يتيح للعلماء تفكيك لغز هذا المكان المتطرّف. تشير التقديرات إلى أن هذا الخزان الغازي يُعتبر مصدرًا محتملاً لإمداد الثقب الأسود بالطاقة حتى يصبح أكبر بست مرات من حجمه الحالي.
الماء: عنصر كوني حاضر بقوة
هذا الاكتشاف يتماشى مع مجموعة متزايدة من البحوث التي تستكشف الوفرة المذهلة للماء في الكون. وفيما يلي أمثلة على بعض الاكتشافات الحديثة:
- السحب بين النجوم: كالسحابة في سديم الجبار التي تحتوي على مياه في أشكال الجليد والبخار.
- الأقراص الكوكبية: حول النجوم النامية، مثل النظام النجمي PDS 70، على بُعد 370 سنة ضوئية.
- المذنبات والكويكبات: كالمذنب 67P/تشوريوموف-جيراسيمنكو الذي يحوي كميات كبيرة من الجليد المائي.
- الكواكب الخارجية: مثل K2-18b التي تُظهر بخار الماء في غلافها الجوي.
هذا التنوع يؤكد أن المياه ليست نادرة كما اعتقدنا، بل هي جزء لا يتجزأ من العمارة الكونية، ما يفتح المجال لفهم أعمق لدورها في نشأة الحياة على الأرض وخارجها.
جسور نحو اكتشافات جديدة
يمثل اكتشاف هذا الخزان المائي الهائل مرحلة محورية في دراسة الماء في الكون. إنه إنجاز علمي يجلب المزيد من الأسئلة حول كيفية تكوين وتوزيع الموارد الكونية. ومن المؤكد أن المهام الفضائية المستقبلية وأدوات الرصد ستواصل التحقيق في هذه الواحات الكونية، بحثًا عن أدلة تكشف أصول المياه ودورها في دعم الحياة. إنه لأمر مدهش أن المياه، العنصر المألوف لدينا على الأرض، قد تكون أحد الركائز الأساسية في هذا الكون الشاسع.